سورة الأنبياء - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنبياء)


        


{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)}
نزلت في خزاعة حيث قالوا: الملائكة بنات الله. نزه ذاته عن ذلك، ثم أخبر عنهم بأنهم عباد والعبودية تنافي الولادة، إلا أنهم {مُّكْرَمُونَ} مقرّبون عندي مفضلون على سائر العباد، لما هم عليه من أحوال وصفات ليست لغيرهم، فذلك هو الذي غرّ منهم من زعم أنهم أولادي، تعاليت عن ذلك علواً كبيراً. وقريء {مكرّمون} و{لاَ يَسْبِقُونَهُ} بالضم، من: سابقته فسبقته أسبقه. والمعنى: أنهم يتبعون قوله ولا يقولون شيئاً حتى يقوله، فلا يسبق قولهم قوله. والمراد: بقولهم، فأنيب اللام مناب الإضافة، أي لا يتقدّمون قوله بقولهم، كما تقول: سبقت بفرسي فرسه، وكما أنّ قولهم تابع لقوله، فعملهم أيضاً كذلك مبني على أمره: لا يعملون عملاً ما لم يؤمروا به. وجميع ما يأتون ويذرون مما قدّموا وأخروا بعين الله، وهو مجازيهم عليه، فلإحاطتهم بذلك يضبطون أنفسهم، ويراعون أحوالهم، ويعمرون أوقاتهم. ومن تحفظهم أنهم لا يجسرون أن يشفعوا إلا لمن ارتضاه الله وأهله للشفاعة في ازدياد الثواب والتعظيم، ثم أنهم مع هذا كله من خشية الله {مُشْفِقُونَ} أي متوقعون من أمارة ضعيفة، كائنون على حذر ورقبة لا يأمنون مكر الله.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه رأى جبريل عليه السلام ليلة المعراج ساقطاً كالحلس من خشية الله. وبعد أن وصف كرامتهم عليه، وقرب منزلتهم عنده، وأثنى عليهم، وأضاف إليهم تلك الأفعال السنية والأعمال المرضية.
فاجأ بالوعيد الشديد، وأنذر بعذاب جهنم من أشرك منهم إن كان ذلك على سبيل الفرض والتمثيل، مع إحاطة علمه بأنه لا يكون، كما قال: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88] قصد بذلك تفظيع أمر الشرك وتعظيم شأن التوحيد.


{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)}
قرئ: {أَلَمْ يَرَوْاْ} بغير واو. و{رَتْقاً} بفتح التاء، وكلاهما في معنى المفعول، كالخلق والنقض، أي: كانتا مرتوقتين.
فإن قلت: الرتق صالح أن يقع موقع مرتوقتين لأنه مصدر، فما بال الرتق؟ قلت: هو على تقرير موصوف، أي: كانتا شيئاً رتقاً ومعنى ذلك: أن السماء كانت لاصقة بالأرض لا فضاء بينهما. أو كانت السموات متلاصقات، وكذلك الأرضون لا فرج بينها ففتقها الله وفرّج بينها. وقيل: ففتقناها بالمطر والنبات بعد ما كانت مصمتة، وإنما قيل: كانتا دون كنّ، لأنّ المراد جماعة السموات وجماعة الأرض، ونحوه قولهم: لقاحان سوداوان، أي: جماعتان، فعل في المضمر نحو ما فعل في المظهر.
فإن قلت: متى رأوهما رتقا حتى جاء تقريرهم بذلك؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أنه وارد في القرآن الذي هو معجزة في نفسه، فقام مقام المرئيِّ المشاهد.
والثاني: أن تلاصق الأرض والسماء وتباينهما كلاهما جائز في العقل، فلا بدّ للتباين دون التلاصق من مخصص وهو القديم سبحانه {وَجَعَلْنَا} لا يخلو أن يتعدى إلى واحد أو اثنين، فإن تعدّى إلى واحد، فالمعنى: خلقنا من الماء كل حيوان، كقوله: {والله خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مّن مَّاء} [النور: 45] أو كأنما خلقناه من الماء لفرط احتياجه إليه وحبه له وقلة صبره عنه، كقوله تعالى: {خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37] وإن تعدى إلى اثنين فالمعنى: صيرنا كل شيء حيّ بسبب من الماء لابد له منه. و (من) هذا نحو (من) في قوله عليه السلام: «مَا أنَا مِنْ ددٍ ولا الددُ مِنْي» وقرئ {حيا} وهو المفعول الثاني. والظرف لغو.


{وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32)}
أي كراهة {أَن تَمِيدَ بِهِمْ} وتضطرب. أو لئلا تميد بهم، فحذف (لا) واللام. وإنما جاز حذف (لا) لعدم الالتباس، كما تزاد لذلك في نحو قوله: {لّئَلاَّ يَعْلَمَ} [الحديد: 29] وهذا مذهب الكوفيين. {فجاجاً} الفج: الطريق الواسع.
فإن قلت: في الفجاج معنى الوصف، فما لها قدمت على السبل ولم تؤخر كما في قوله تعالى: {لّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً} [نوح: 20] قلت: لم تقدّم وهي صفة، ولكن جعلت حالاً كقوله:
لِعَزَّةَ مُوحِشاً طَلَلٌ قَدِيم ***
فإن قلت: ما الفرق بينهما من جهة المعنى؟ قلت: أحدهما الإعلام بأنه جعل فيها طرقاً واسعة.
والثاني: بأنه حين خلقها خلقها على تلك الصفة، فهو بيان لما أبهم ثمة، محفوظاً حفظه بالإمساك بقدرته من أن يقع على الأرض ويتزلزل، أو بالشهب عن تسمع الشياطين على سكانه من الملائكة {عَنْ ءاياتها} أي عما وضع الله فيها من الأدلة والعبر بالشمس والقمر وسائر النيرات، ومسايرها وطلوعها وغروبها؛ على الحساب القويم والترتيب العجيب، الدال على الحكمة البالغة والقدرة الباهرة، وأيّ جهل أعظم من جهل من أعرض عنها ولم يذهب به وهمه إلى تدبرها؛ والاعتبار بها، والاستدلال على عظمة شأن من أوجدها عن عدم، ودبرها ونصبها هذه النصبة، وأودعها ما أودعها مما لا يعرف كنهه إلا هو عزت قدرته ولطف علمه. وقرئ {عن آيتها} على التوحيد، اكتفاء بالواحدة في الدلالة على الجنس أي: هم متفطنون لما يرد عليهم من السماء من المنافع الدنيوية، كالاستضاءة بقمريها، والاهتداء بكواكبها، وحياة الأرض والحيوان بأمطارها، وهم عن كونها آية بينة على الخالق {مُّعْرِضُونَ}.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10